اسباب النزول
معنى سبب النزول
سبب النزول هو ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه أن مبينة لحكمه أيام وقوعه.
والمعنى أنه حادثة وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو سؤال وجه إليه فنزلت الآية أو الآيات من الله تعالى ببيان
ما يتصل بتلك الحادثة أو بجواب هذا السؤال.
سواء أكانت تلك الحادثة خصومة دبت كالخلاف الذي شجر بين جماعة من الأوس وجماعة من الخزرج بدسيسة من أعداء الله اليهود
حتى تنادوا: السلاح السلاح ونزل بسببه تلك الآيات الحكيمة في سورة آل عمران من أول قوله سبحانه:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ}
إلى آيات أخرى بعدها هي من أروع ما ينفر من الانقسام والشقاق ويرغب في المحبة والوحدة والاتفاق.
أم كانت تلك الحادثة خطأ فاحشا ارتكب كذلك السكران الذي أم الناس في صلاته وهو في نشوته ثم قرأ السورة بعد الفاتحة فقال:
{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} "أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ" وحذف لفظ "لا" من {لا أَعْبُدُ} فنزلت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى
حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} في سورة النساء.
أم كانت تلك الحادثة تمنيا من التمنيات ورغبة من الرغبات كموافقات عمر رضي الله عنه التي أفردها بعضهم بالتأليف.
ومن أمثلتها ما أخرجه البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث: قلت يا رسول الله لو اتخذنا
من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}
وقلت يا رسول الله: إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب1.
واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهن:
"عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ " فنزلت كذلك اهـ. وهذه في سورة التحريم.
وسواء أكان ذلك السؤال المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتصل بأمر مضى نحو قوله سبحانه في سورة الكهف:
{وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ} . أم يتصل بحاضر نحو قوله تعالى في سورة الإسراء:
{وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً}
أم يتصل بمستقبل نحو قوله جل ذكره في سورة النازعات: {يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} .
والمراد بقولنا أيام وقوعه الظروف التي ينزل القرآن فيها متحدثا عن ذلك السبب سواء أوقع هذا النزول عقب سببه مباشرة أم تأخر عنه مدة
لحكمة من الحكم كما حدث ذلك حين سألت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين.
فقال: صلى الله عليه وسلم "غدا أخبركم" ولم يستثن أي لم يقل إلا أن شاء الله فأبطأ عليه الوحي خمسة عشر يوما على ما رواه ابن إسحاق
وقيل ثلاثة أيام وقيل أربعين يوما حتى شق عليه ذلك. ثم نزلت أجوبة تلك المقترحات وفي طيها يرشد الله تعالى رسوله إلى أدب الاستثناء بالمشيئة
ويقول له في سورة الكهف: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً} .
ثم إن كلمة أيام وقوعه في تعريف سبب النزول قيد لا بد منه للاحتراز عن الآية أو الآيات التي تنزل ابتداء من غير سبب بينما
هي تتحدث عن بعض الوقائع والأحوال الماضية أو المستقبلة كبعض قصص الأنبياء السابقين وأممهم وكالحديث عن الساعة
وما يتصل بها وهو كثير في القرآن الكريم.
1- وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من سورة الأحزاب.